Yazar Adı : | İlim Dalı : Fıkıh |
Konusu : | Dili : Türkçe |
Özelliği : | Makale Türü : |
Ekleyen : Fıkıh Dersleri/2012-04-22 | Güncelleyen : /0000-00-00 |
الجدل العلمي بين العلامة محمد زاهد الكوثري ومعاصره الحافظ أحمد بن الصديق الغُمَاري المغربي
للأستاذ الدكتور توفيق بن أحمد الغلبزوري
كلية أصول الدين- جامعة القرويين- تطوان - المملكة المغربية
موضوع البحث : الجدل العلمي بين العلامة محمد زاهد الكوثري ومعاصره الحافظ أحمد بن الصديق الغُمَاري المغربي
للأستاذ الدكتور توفيق بن أحمد الغلبزوري كلية أصول الدين – جامعة القرويين- تطوان – المملكة المغربية
مقدمـــة
الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، وعلى آله وأصحابه ومن اتبع هداه ، وبعد ،
فإن أهل العلم من الأقران والمعاصرين لا يزال يرد بعضهم على بعض ، ويختلف أحدهم مع الآخر ، ويراجعه القول والكلام ؛ في القضايا والمسائل العلمية ؛ لأن ( كل واحد يؤخذ من قوله ويترك إلا صاحب هذا القبر ) كما قال الإمام مالك ، و ( ما منا إلا رادٌّ أو مردود عليه ) كما قال بعض الأئمة كذلك .
والاختلاف في وجهات النظر ، والردود في الأمور الاجتهادية ، ظاهرة طبيعية وصحية ، تغني الاجتهاد العلمي الفكري بخصوبة في الرأي ، وقوة في الأدلة ، ورؤية واسعة فسيحة ، ثم إن الاختلاف إذا اشتدَّ واحتدَّ - بعد ذلك – عند أحد المخالفَيْن أو كليهما ؛ بسبب اختلاف المناهج والرؤى ، سمي جدلا .
وقد خاض العلامة الكوثري جدلا علميا كبيرا ، ومعارك فكرية ؛ مع بعض معاصريه من العلماء ، وعلى رأسهم حافظ المغرب أحمد بن الصديق الغماري المتوفى بالقاهرة سنة 1380 هـ ؛ رغم علاقة الصداقة والمحبة التي جمعتهما ، والاعتراف بالعلم الراسخ لبعضهما البعض .
وكان سبب احتدام الجدل العلمي بينهما تعريض الكوثري بالغماري في موضعين من كتبه ومقالاته ، وانتقاده نقدا علميا ؛ قاسيا أحيانا ، وهذا دفع الغماري إلى الرد بكتاب سماه ( بيان تلبيس المفتري محمد زاهد الكوثري أو رد الكوثري على الكوثري ) ، وجعله مقدمة لم تتم . وكان قد عقد العزم على مقابلة جل كتب الكوثري بردود من جنسها ، فيقابل النكت الطريفة للكوثري بالغارة العنيفة ، والتأنيب بسوط التأديب ، وإحقاق الحق بالتمزيق والخرق[1] ، ولكنه لم يفعل بسبب العلاقة الطيبة بينهما كما ذَكر في بعض رسائله .
وقد حاولنا في هذا البحث جَهْدَنا تتبع هذا الجدل العلمي ، والتركيز على منهج الجدل وآليته ، ومقصده وموضوعه ، وطريقته وأسلوبه ، مع طي ما لا علاقة له بالعلم من الألفاظ النابية والقاسية ، التي أقر بوجودها أخو الغماري العلامة عبد الله ـ وهو من محبي الكوثري وأصدقائه وتلامذته ـ حيث قال : ( فكَتب شقيقُنا ردا عليه ـ أي على الكوثري ـ جمع فيه سقطاته العلمية ، وتناقضاته ، وقسا عليه بعض القسوة[2] ) .
ومعروف أن كلام الأقران بعضهم في بعض يُطوى ولا يُروى ؛ لأنههم بشر يرضون ويغضبون ، والقول في الرضا غير القول في الغضب ، وإن المعاصرة حجاب ؛ كما هو مقرر في قواعد النقد في علوم الحديث .
وقد سلكت في هذا البحث خطة يجدر بي أن أبين خطوطها المجملة ، وهي على النحو الآتي :
ـ مقدمة
ـ المبحث الأول : بواعث احتدام الجدل العلمي بين العالِمَيْن
أولا : معنى الجدل العلمي وبيان أن الرجلين جدليان
ثانيا : مواطن الائتلاف والاختلاف بين الرجلين
ثالثا : ترجمة قصيرة للحافظ أحمد بن الصديق الغماري
رابعا : العلاقة بين الرجلين المتعاصِرَيْن وأقوال بعضهما في بعض
خامسا : ردود العلامة الكوثري على الحافظ الغماري
ـ المبحث الثاني : ملامح المنهج الجدلي في رد الحافظ الغماري على العلامة الكوثري
المطلب الأول : ملامح المنهج الجدلي العام
المطلب الثانـي : ملامح المنهج الجدلي التفصيلي
القسم الأول : ملامح المنهج الجدلي الحديثي
القسم الثاني : ملامح المنهج الجدلي الأصولي
أ ـ منهج الجدل في أصول الدين
ب ـ منهج الجدل في أصول الفقه
ونسأل الله تعالى العون والرشاد ، والتوفيق والسداد .
المبـحــث الأول :بواعـث احْـتِدَام الجـدل العلمـي بين العَالِـمَيْن
أولا : معنى الجدل العلمي وبيان أن الرجلين جدليان
1- معنى الجدل العلمي
أصل كلمة الجدل الشدة والغلبة ، واستعملت في المناظرة والمخاصمة ؛ لأنهما يحتاجان إلى قوة في الكلام والحجج . وتشترك المجادلة مع الحوار في كونها مراجعة الكلام وتداوله بين طرفين ، إلا أنها تأخذ طابع القوة والغلبة والخصومة . وفي اللغة : تسمى شدة الفَتْل جدلا ، وجدلت الحبل أجدله جدلا : إذا شددت فتله وفتلته فتلا محكما ، والجَدل اللَّدَدُ في الخصومة ، ورجل جدِل شديد الجدال ، إذا كان قويا في الخصام ، وفي الحديث : ( ما ضل قوم بعد هدى كانوا عليه إلا أوتوا الجدل ) [3] ، والجدل مقابلة الحجة بالحجة ، والمجادلة المناظرة ، والمراد به في الحديث المذكور : الجدل على الباطل وطلب المغالبة به لا إظهار الحق فإن ذلك محمود لقوله عز وجل : ( وجادلهم بالتي هي أحسن ) " النحل : 125 " [4] .
وقد ورد لفظ الجدال في القرآن الكريم في تسعة وعشرين موضعا ، كلها مذمومة إلا في ثلاثة مواضع ، والجدل في الشرع نوعان : محمود مأمور به شرعا ، ومذموم منهي عنه شرعا وهو قسمان : جدل بغير علم ، وجدل لنصرة الباطل .
والجدل العلمي المحمود هو الذي أنشأ علما إسلاميا خاصا سمي علم الجدل والمناظرة : وهو علم يتعلق بقواعد نظرية وأخلاقية ، تضبط المباحثات والمناظرات ؛ لاستبعاد الخطأ والشك من النتائج التي يتوصل إليها المتناظران [5] .
2- بيان أن الرجلين جدليان
إن الاختلاف العلمي إذا اشتد واحتد عند أحد المخالفين أو كليهما بسبب اختلاف المناهج والرؤى ، سمي جدلا ، وقد كان الرجلان جدليين ؛ بكل ما تحمل الكلمة من معنى ، وكتُبهما جلُّها ردود وتعقيبات ومناقشات جدلية ، ومناظرات عقدية وحديثية وفقهية،وهي أكثر كتبهما الباقية بأيدي الناس اليوم .
وكلا الرجلين حذق أساليب علم الجدل والمناظرة ؛ فلذلك جاءت ردودهما تحمل أحيانا أسلوبا حادا وعنيفا ، ونفسا ثائرة فائرة ، ولكنها أتت في نفس الوقت ؛ بمنافع علمية عظيمة ، وثمار شهية ، ما كان الرادون سينبعثون لها لولا الاستثارة للسواكن ، والاقتداح للكوامن ، مما يفضي إلى توقُّد الطبع،واحتدام الخاطر ، وتهيُّج النشاط ، وتوسُّع العلم .
وقد خاض كلاهما جدلا علميا كبيرا ، ومعارك فكرية ؛ مع بعض معاصريهما من العلماء ؛ حتى ملآ بذلك الدنيا وشغلا الناس ، وكانا في عصرهما قُطبَا الرحى لهذا الجدل الدائر ، الثائر والفائر .
فالعلامة الكوثري خاض جدلا علميا مع بعض علماء عصره : كعلامة الشام محمد بهجت البيطار، وعلامة اليمن عبد الرحمان بن يحيى المعلمي اليماني ، وحافظ المغرب أحمد بن الصديق الغماري ، وعلامة الحرم المكي محمد عبد الرزاق حمزة وغيرهم .
والحافظ الغماري سلك المسلك نفسه مع سائر معاصريه في المشرق والمغرب ؛ بحيث يجْهَدُ المرء في تتبُّع أسمائهم ، والكتبِ والرسائلِ التي أفردها في الرد عليهم ومجادلتهم .
ثانيا : مواطن الائتلاف والاختلاف بين الرجُلَيْن
يأتلف الرجلان ويلتقيان في موضوع التصوف ، وما يتبعُه من جواز التوسل ، وإقامة المحاريب ، وبناء المساجد والقباب على القبور ؛ والصلاة إليها ، وغير ذلك ، فالعلامة الكوثري كان صوفيا ، وله رسائل ومقالات في الدفاع عن التصوف ، وكذلك كان الحافظ الغماري ، فهو شيخ الطريقة الدرقاوية الشاذلية بطنجة بعد أبيه ، وله رسائل وأقوال في النفاح عن مذاهب الصوفية .
ويختلف الرجلان ويفترقان في : باب الأسماء والصفات من أبواب العقيدة ، فالغماري سلفي في هذا الباب ، والكوثري ماتوريدي منتصرٌ للماتوريدية غاية الانتصار ، وفي الفروع : فالكوثري يدعو إلى تقليد أحد المذاهب الأربعة المتبوعة ، واختار هو مذهبَ الحنفية ، وندد باللاَّمَذهبية ، وألف في ذلك رسالته (اللامذهبية قنطرة اللادينية ) ، والغماري يدعو إلى الاجتهاد ، والأخذ بالدليل ، بل يزعم لنفسه الاجتهاد المطلق ، وهو شديد على مقلدة المذاهب إلى حد الغلو في ذلك ؛ حتى إن له مؤلفا خاصا في ذلك سماه (الإقليد في تنزيل كتاب الله على أهل التقليد ) ، عمد فيه إلى تنزيل الآيات الواردة في المشركين والكفار على المقلدة .
وهذا الاختلاف أحيانا في الرؤية والمنهج بين الرجليْن كان من بواعث احتدام الجدل العلمي بينهما .
ثالثا : ترجمة قصيرة للحافظ أحمد بن الصديق الغماري[6]
هو الشيخ الإمام الحافظ ، والمحدث الناقد ، نادرة العصر، وفريد الدهر ، شهاب الدين ، أبو الفيض ، أحمد بن محمد بن الصديق الغماري الطنجي المغربي ، ولد عام عشرين وثلاثمائة وألف بقبيلة بني سعيد إحدى قبائل غمارة ، ونشأ وترعرع بمدينة طنجة ، ثم شد الرحلة إلى القاهرة ؛ فتابع دراسته على أكبر علمائها إلى أن برع في سائر العلوم الإسلامية ، وأقبل على علم الحديث الشريف ، وأتقنه جدا ، وصار متخصصا مجتهدا فيه ، أوحد عصره في علومه ، حافظا لمتونه ، بصيرا برجاله ، عارفا بصحيحه من سقيمه .
وكان على اطلاع واسع ، وذكاء مفرط ، وحافظة نادرة ، قوي الحجة ، بليغ العبارة ، فصيحا ، زاهدا، منقطعا لخدمة السنة النبوية ، حريصا على نشرها . وثار على الاستعمار الإسباني بالسلاح مرتين ، وسجن ونفي من وطنه .
وله مؤلفات ممتعة في الفقه ، والحديث وعلومه ، والتاريخ ... طبع منها الكثير ، ولا زال بعضها مخطوطا، وكان في الأصول على مذهب السلف ، وفي الفروع على مذهب أهل الحديث ، والعمل بالدليل يدور معه حيث دار ، شديدا على مقلدة المذاهب ، متصوفا ، معتقدا في ذلك .
توفي رحمه الله عام ثمانين وثلاثمائة وألف 1380 هـ من جراء مرض القلب العضال الذي كان يكابده ، في منفاه الأخير بالقاهرة .
وقد تركت ترجمة العلامة الكوثري ـ رحمه الله ـ لأن هناك ـ إن شاء الله ـ في بحوث المؤتمر من سيكفيني المؤنة ، وانصياعا لنصيحة اللجنة المنظِّمة ، وتجنبا للتطويل .
رابعا : العلاقة بين الرجليْن المتعاصريْن وأقوال بعضهما في بعض
لقد كان بين العلامة الكوثري والحافظ الغماري علاقة صداقة ومحبة ، رغم الجدل العلمي والاختلاف الفكري الذي كان بينهما ، إذ يصف الأول الثاني في كتابه الذي رد به عليه : ب ( صديقنا الأستاذ الكوثري)[7] ، ويقول مبينا منزلة الكوثري العلمية عنده : ( وأما الشيخ زاهد الكوثري .. فإنه عالم فاضل ، مطلع ، واسع الاطلاع والدراية ، مع المشاركة في كثير من الفنون ... وقد كنت شرعت في الرد عليه .. ثم توقفت لكون الرجل يدعي لنا بالمحبة والصداقة ، ولنا معه مجالس طويلة ، والحق أولى منه )[8] .
ويظهر أن العلامة الكوثري كان على صلة طيبة بالأسرة الصديقية الغمارية كلها بالقاهرة ؛ كتلميذيه : عبد الله بن الصديق ، وعبد العزيز ، أخوي الشيخ أحمد ، يقول عنه الشيخ عبد الله : ( كان بيني وبين الأستاذ الكوثري صلة وثيقة ، رغم سعي بعض الحاقدين لإفسادها ، وكان يقدرني كثيرا ، حتى إني لما استجزته قبيل وفاته بسنة استجازني ، وكان يسألني عن الأحاديث التي يسأله عنها بعض الناس ، واستمرت صلتنا كما هي إلى وفاته ، رحمه الله وأثابه رضاه )[9] .